روح خدمة العملاء: تعزيز الخبرة والارتقاء بالمهارات

ي عالم سريع التطور، تعد خدمة العملاء عاملًا أساسيًا في نجاح الشركات، فالطريقة التي نتعامل بها مع عملائنا، سواء كانت إيجابية أو سلبية، هي التي تحدد مدى رضاهم عن الخدمة وتعزز ولاءهم للشركة أو تقلله. وليس الأمر متعلقًا بالعملاء فحسب، بل إنه ينعكس على الموظفين أيضًا، فيزيد من مستوى رضاهم عن عملهم وتقدمهم في حياتهم المهنية. وانطلاقًا من تجربتي الشخصية، دعني أضرب بعض الامثلة حول تأثير خدمة العملاء في مستوى الرضا لدى كل من العملاء والموظفين.

قوة كرم الضيافة

منذ فترة قريبة، مررتُ بتجربة تؤكد أهمية خدمات العملاء الاستثنائية في الارتقاء بمستوى التجربة كليةً؛ حدث ذلك أثناء رحلة عائلية إلى جدة، كنتُ قد حجزت جناحًا عائليًا في مجمع سكني حائز على أعلى التقييمات على جوجل. وعند وصولنا إلى المكان، نظر مدير المجمع إلينا وأخبرنا أن الجناح الذي اخترناه قد لا يكون مناسبًا لعددنا الكبير، فتوقعتُ لتوي أنه يحاول أن يبيع لي جناحًا أعلى سعرًا، وأشعرتني هذه الفكرة بالانزعاج، أنه ربما يستغل قدومنا بأطفال صغار من سفر طويل ومتعب فيبالغ في السعر. فتخيل دهشتي عندما عرض علي جناحًا أكبر بكثير بدون دفع أي مبلغ إضافي؛ لقد شعرت بالذهول والامتنان ولم أجد ما أقوله، وليزيد في إبهاري، قدم لي موظفوه قهوة وحلوى دون أي طلب منا.

إن الأمر تجاوز فكرة الحصول على جناح أفضل إلى الشعور بكرم الأخلاق والضيافة الفائقة التي قدمها هذا المدير وموظفوه. لقد أثبت لي هذا المدير عمليًا أن الأمر لا يتعلق بالمال والتجارة بقدر ما يتعلق بالتجربة الإنسانية الخالصة، وهذا ما حفزني إلى إخبار الجميع عن هذه التجربة المميزة ودعوة أصدقائي وأفراد عائلتي إلى تجربة هذا المكان الاستثنائي، وكتابة تقييم رائع عن المجمع وهو أمر لا أفعله أبدًا دون دافع حقيقي.

الأثر السلبي للخدمة السيئة يدوم

وعلى النقيض من التجربة السابقة، فإن خدمة العملاء السيئة لها أثر سيء يدوم طويلًا؛ وقد رأيتُ ذلك بنفسي أيضًا في تجربتي مع مدرسة بناتي السابقة، فعلى مدار سنة دراسية كاملة، رأينا ضعف شديد في المستوى التعليمي على الرغم من الوعود البراقة المقدمة من قبل المدرسين ورئيس القسم. وفاض الكيل في موقف أخير عانيتُ فيه سوء معاملة سكرتير المدير التنفيذي الذي وعدني بأنه سيرد علي قريبا بعد أن طلبت مساعدته في أمر عاجل، ولكنه لم يعد أبدًا، ولم يرد على الهاتف أيضًا، فاضطررتُ إلى قيادة سيارتي على مدار 45 دقيقة من عملي إلى المدرسة للحديث معه مباشرة. وعندما وصلت وجدته وحيدًا في مكتبه، وقررتُ أن أتحدث معه بكل هدوء وبأسلوب مهني، وسألته عن رد المدير التنفيذي بشأن مسألتي، فرد بكلمات مقتضبة تعكس عدم اهتمامه، دون اعتذار عن عدم الرجوع إلي. ولأنني أؤمن بمنح الأشخاص فرصة أخيرة، أخبرته بكل هدوء أنني تمنيت لو انه تواصل معي ليخبرني برد المدير دون الحاجة لمجيئي شخصيا. لكنه استمر في الكتابة على جهازه في تجاهل تام لما أقوله، دون ادنى رد. لا أتذكر أنني شعرت بمثل هذا الحنق من قبل، وفي تلك اللحظة، شعرتُ باليقين أنني لست أول من عانى من هذه الخدمة السيئة؛ لذا كتبتُ تقييمًا مفصلًا واحترافيًا في الوقت ذاته عم تلك التجربة السيئة على تقييمات جوجل، وهو أيضًا أمر لا أتساهل فيه. وسرعان ما أصبح هذا التقييم السلبي الأكثر قراءة من بين تقييمات المدرسة؛ ولو كان السكرتير قد أظهر لي بعض التفهم والاهتمام بمطلبي ما كنتُ لأنشر تقييمًا بهذا السوء. هذا كل ما كان يحتاجه الموقف.

تعكس هذه التجربة نتائج خدمة العملاء السيئة، ليس فقط على الرضا الفوري للعميل، بل أيضا على سمعة المنشأة بأكمله وعدد العملاء في المستقبل؛ فعدم اهتمام السكرتير بمشكلتي وتجاهله التام لي أشعرني بغضب لا يمكن تجاوزه ودفعني إلى كتابة تقييم سلبي صادق أثر على قرار الكثيرين من الآباء والأمهات الذين كانوا يبحثون عن مدرسة مناسبة لأطفالهم.

أثر الخدمة المميزة على العملاء والموظفين

يتجاوز تجربة العميل إلى رضا الموظفين أنفسهم؛ فعندما يقدم الموظفون خدمة مميزة لعملائهم، يرتفع مستوى رضاهم عن أنفسهم، ويتلقون تقييمًا إيجابيًا من العميل. وعندما يجني الموظفون ثمار خدماتهم الاستثنائية، فإن ذلك يمنحهم فرصًا أكبر ويفتح لهم أبوابًا كثيرة لنموهم المهني وتزيد فرص ترقيهم الوظيفي.

وعلى النقيض من ذلك؛ فإن البيئات التي تكون ثقافة خدمة العملاء فيها فقيرة تؤدي إلى عدم رضا الموظفين عن العمل وبالتالي ارتفاع معدل استقالة الموظفين من هذه الشركات؛ نظرًا إلى أنهم يشعرون بأن عملهم غير مقدر وبالتالي أن فرص النمو الوظيفي غير متاحة أساسا. وهذه الدائرة المتكررة من عدم الرضا تعرقل نجاح المؤسسة كلها.

يؤدي تقديم خدمة ممتازة إلى زيادة ولاء العملاء وتوصيتهم بالشركة إلى أصدقائهم من تلقاء أنفسهم؛ أما الخدمة السيئة فإنها تؤدي إلى خلق انطباعات سلبية دائمة لدى العملاء مما يعكس على المستقبل المهني للموظفين. وليست تلك مجرد وجهة نظري الشخصية، بل إنه أمر يعلم الجميع صدقه. ومع قوة الإنترنت اليوم في التأثير على آراء الناس، فإن أثر الخدمة سواء كانت إيجابيًا أو سلبيًا يتضاعف ويزداد بشكل غير مسبوق، فهو لا يختفي من تلقاء نفسه، بل يستمر ويزداد، وهذا ما يجعل تقديم خدمة استثنائية للعملاء إحدى أنجح استراتيجيات النجاح التجاري وأهمها.

Leave a comment

arالعربية